الأقباط تحت الحكم العثماني١٥١٧ – ١٧٩٨ م


الأقباط تحت الحكم العثماني ١٥١٧ – ١٧٩٨ م

فتح سليم الأول مصر عام ١٥١٧ في عهد البطريرك يؤنس الثالث عشر، ولم يغير هذا الفتح شيئاً من حالة المسحيين, بل ازداد الاستبداد والتعسف, وأخذا الاضطهاد لوناً وحشياً بلا رحمة، ودونت الوثائق أن عدد الأقباط في هذا العهد تناقص إلى حوالي ١٠٠ ألف فقط وعدد المطارنة ١٢ مطرناً ( كان عددهم في بدء الفتح العربي حوالي ٦ مليون قبطي وعدد المطارنة ٧٠ مطراناً) وذلك بسبب إسلام عدداً كبيراً منهم, واستشهاد أو الباقي هرب إلى الصحراء. ولم يبرز أحد من العلماء خلال الحكم العثماني, وتعذر العثور على وثائق تشير إلى أسماء البطاركة الذين حكموا الكنيسة, بسبب الليل الدامس الذي أسدل على الكنيسة ستاره, والجهل الذي عمم على الحياة الثقافية في مصر عامة.
دور الكنيسة الكاثوليكية في ذالك الوقت:

قامت محاولات من الكرسي الرسولى لمصالحة الأقباط اليعاقبة والكاثوليك لكنها باءت بالفشل. إلا أنه في عام١٥٦٠م سافر إلى روما قسيسان قبطيان يحملان رسالة من البطريرك غبريال السابع ( ١٥٢٥ – ١٥٦٨ ) تحمل رغبته في عودة الشعب القبطي إلى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية. فأوفد البابا قسيسين يسوعيين (كريستوفر دى رود ريكس, چان باتسيته) للتحدث مع البطريرك القبطي. لكن السلطات العثمانية ألقت القبض عليهما بتهمة التجسس, واضطر البابا أن يدفع فدية ٥ ألاف دينار لإطلاق سراحهما.

وجدد الحبر الروماني نداءه مع البطاركة غبريال الثامن (١٥٨٦ – ١٦٠٣ ) ويؤنس الخامس عشر (١٦١٩ – ١٦٢٩ ), ومتاؤس الثالث (١٦٣١- ١٦٤٦) لكن ذلك لم يتعد الأقوال والمكاتبات, ولم يتم أي اتحاد بين الكنيستين لعدم تأييد البشوات الأتراك.

كما حضر إلى مصر كثير من المرسلين الفرنسيسكان ولم تسفر جهودهم عن نتائج واضحة لجهلهم العميق بعادات و التقاليد القومية والطقوس القبطية للسكان, إلا أن بعض الأفراد اعتنقوا الكاثوليكية إلا أنهم لم يحافظوا على قبطيتهم أو تقاليد أباهم, لذلك لم تتكون منهم كنيسة كاثوليكية ذات أطار قبطي. وفي عام ١٧٠٥ استوطن بعض المرسلين الفرنسيسكان صعيد مصر, وانضم إليهم بعض الأقباط الأرثوذكس وكانوا نواة للأقباط الكاثوليك. وأسس الحبر الروماني ولاية رسولية بمصر عهدَّ بها إلى رهبنة الفرنسيسكان لحفظ هؤلاء الأقباط الكاثوليك, كما كلف الآباء اليسوعيين بأن يستوطنوا القاهرة. واهتم البابا اكلمندوس الثاني عشر بهذا القطيع الصغير, ووجد ضرورة أن يكون لهم إكليروس مثقف, فوهب لهم دير القديس اسطفانوس في الفاتيكان. وأختار المرسلين بعض أبناء هذا الشعب ليتعلموا فيه ابتداء من عام ١٧٣١. وتشير بعض المراجع انه في عام ١٧٢٤ انضم إلى الكنيسة الكاثوليكية الأنبا أثناسيوس أسقف أورشليم, فعينه البابا بنوا الرابع عشر راعياً عاماً للأقباط الكاثوليك بمصر, إلا أنه لم يغادر أورشليم وأدار الطائفة وكيلاً عنه الأب يسطس المراغى بموافقة الكرسي الروماني.

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القرن ١٨ ومطلع القرن ١٩

رغم الحالة المحيطة للأقباط اليعاقبة, ظهر بعض النوابغ الذين سجل التاريخ أسمائهم, وأشهرهم.
المعلم إبراهيم الجوهري- سلطان القبط
اشتهر أيام على بك الكبير. وقد ميزه المؤرخ الجبرتي هو و المعلم رزق. وكان يتمتع بسلطة واسعة. وعاصر على بك أبو الذهب, وإبراهيم بك ومراد بك. وأصبح رئيس كتَّاب القطر المصري (تساوى وظيفة رئيس الوزراء بلغة العصر الحديث). أسس الكنيسة المرقسية بالأزبكية بفرمان من الأستانة, لكنه مات سنة ١٧٩٧م قبل أن يتم بناءها وأكملها أخوه جرجس الجوهري.

جرجس الجوهري

عاصر الحملة الفرنسية التي اعتبرته عميد الأقباط, ثم نال حظوة لدى محمد على وكان يسميه جرجس أفندي, واستغل نفوذه في بناء الكنائس والأديرة, لكن محمد على انقلب عليه وعين المعلم غالى بدلاً منه. ومات سنة١٨١٠ م.

الياس بقطر

كان مترجماً في جيش نابليون, ثم سافر إلى باريس مدرساً للغة العربية. وهو أول من وضع قاموس فرنسي عربي, ومات سنة ١٨٢١ م, ودفن في باريس.

الچنرال يعقوب حنا ١٧٤٥ – ١٨٠١

أنضم إلى جيوش نابليون, وكون جيشاً من الأقباط مقره أسيوط, وهزم الجيوش التركية في موقعة المنشية(أسيوط) عام ١٧٩٨. كما هاجم بجيشه فلول المماليك في موقعة القوصية. وعند جلاء الجيوش الفرنسية سافر معها. لكنه مات في الطريق ودفن في مرسيليا.

تأسيس كنيسة الأقباط الكاثوليك

كلمة كاثوليك جاءت من الكلمة اليونانية( كاثوليكوس) بمعنى الجامعة. والشيخ عبد الله الشرقاوي رئيس ديوان القاهرة وشيخ الأزهر أثناء وبعد الحملة الفرنسية هو أول من استخدم هذا الكلمة نتيجة احتكاكه باللغتين العربية والفرنسية. ليميز المسحيين الملكيين عن اليعاقبة. والدراسة التاريخية العلمية التي أعدَّها المتنيح الأنبا يوحنا كابس (١٩٧٦) تشير إلى أن وجود الأقباط الكاثوليك يرجع سنة ٤٥١ م. عندما قرر مجمع خلقدونية غيابياً حرم ديسقورس بسبب أخطاءه في مجمع أفسس (مجمع القراصنة). ووقع على قرار الحرم أربعة من الأساقفة الأقباط المرافقين له ضمن وفد مكون من ١٧ أسقف. كما تقدم بالشكوى منه من مصر أبسكيريون رئيس شمامسة الإسكندرية, وتيودوروس, وسفرونيوس, وأثناسيوس الكاهن أبن أخت القديس كيرلس. ولم يقف بعض أساقفة الصعيد في صف ديسقورس. وهنا انقسمت كنيسة الإسكندرية إلى ملكيين (كاثوليك) أي مؤيدي الملك مرقيانوس, ويعاقبة (من رافضي مجمع خلقدونية الذي سمو فيما بعد أرثوذكس). وفي القرن الثالث عشر, كان البطريرك الكاثوليكي يوناني الجنسية, قد كتب إلى (تيودوروس بلسمون) البطريرك الأنطاكي في القسطنطينية يسأله عما إذا كان الطقس القبطي يمكن إتباعه. فرد عليه الثاني بعدم إقرار كنيسة القسطنطينية لهذا الطقس. فأستاء الأقباط الكاثوليك من ذلك وانضم عدد منهم للأرثوذكس. و تمسك البعض بطقسه وعقيدته في نفس الوقت. وبدأ النفوذ الكاثوليكي في التضاؤل, لكنهم استطاعوا في العصر لفت نظر الكرسي الروماني إليهم.

مجيء القديس فرنسيس الأسيزى لمصر

جاء القديس فرنسيس إلى مصر عام ١٢١٩ م ليوبخ الحملة الصليبية على أعمالها التي ترتكبه تحت اسم الصليب, وكان يرافقه الأب اللومينناتو, والتقى مع الملك الكامل بن الملك العادل الأيوبي وذلك في دمياط, وأعجب الملك بشخصية, واستضافه بضعة أيام ومنحه إذن بزيارة الأماكن المقدسة والوعظ في إنحاء البلاد, ونتيجة لهذه الزيارة صارت للملك الكامل علاقة محبة مع المسحيين, ولما انتهت الحرب أطلق سراح الأسرى المسحيين, وأذن للرهبان الفرنسيسكان بالإقامة والوعظ في البلاد.