الإصلاح الكاثوليكي في القرن ١٦، ١٧


الإصلاح الكاثوليكي في القرن ١٦، ١٧

مقدمة
تزامنت الحركة البروتستانتية مع ظهور الرغبة في الإصلاح داخل الكنيسة الكاثوليكية. وتمت المبادرات الأولى على يد بعض الرهبان والعلمانيين الأتقياء, وأيضاً على يد بعض الأساقفة. نجد أنَّ رسالة لوثر لم تقع في كنيسة غارقة في انحطاط الأيمان والنظام كما يذكر بعض الكتاب، بل مرت بمحاولات من الأبحاث المترددة, والإخفاقات, والانجازات. ولكنَّ هذه المحاولات مكنت الكنيسة من توضيح التوجهات, ووضع النماذج قبل الخوض في تحقيق الإصلاح رداً على الصدمة التي سببها الإصلاح البروتستانتي.

المجمع التريدنتينى١٥٤٥ -١٥٦٢

أعترف البابا هدريان السادس (١٥٢٢-١٥٢٣ ) وهو هولندي الجنسية, بأخطاء الكنيسة الرومانية إلا أنَّ حكمه لم يدم طويلاً. وخلفه اكلمندوس السابع (1523- 1534), لكن في سنة١٥٢٧ قامت حروب دمرت فيها روما. أما البابا بولس الثالث (١٥٣٤- ١٥٤٩) فقد نجح في الدعوة إلى عقد المجمع وبدأت أولى جلساته عام ١٥٤٥ (بعد الحكم بحرم لوثر ﺑ ٢٥ سنة). في جو من الارتياب لأن الانتظار كان طويلاَ, وكانت العقبات السياسية تحول دون اشتراك ممثلي بعض الأمم التي بقيت كاثوليكية, وكان الانقسام في الأفكار قد تفاقم بين الكاثوليك والبروتستانت، الذين كانوا يطالبون بأن تكون المناقشات قاصرة على المسائل اللاهوتية, وإعادة النظر في السلطة البابوية.

وحضر المجمع بعض العلمانيين ممثلي سفراء الملوك المسيحيين, الذين لم يتدخلوا في المداولات التي كانت تجرى بين الأساقفة فقط, ولكن تأثيرهم كان خارج الجلسات حاسماً في بعض الأحيان واستمرت الجلسات حتى عام١٥٤٧, التي ظهر فيها وباء الطاعون. فنُقل مكان الاجتماع من ترنتو إلى بولونيا التي لم تكن فيها الاجتماعات مثمرة, لأن الإمبراطور شارل الخامس نهى الأساقفة الخاضعين له ( الأسبان و الألمان) عن المشاركة في إعمال بولونيا. وتجنباً لحدوث خلاف جديد في الكنيسة، أمر البابا يوليوس الثالث(١٥٥٠-١٥٥٥ ) باستئناف جلسات المجمع في ترنتو. وجاء بعده البابا بولس الرابع (١٥٥٥- ١٥٥٩ ) فأوقف جلسات المجمع, وأخذ على عاتقه أصلاح الكنيسة, وكان قاسياً في
إدارة شؤونها, وأخضعها لنظام حديدي.

أما خليفته بيوس الرابع( ١٥٥٩ -١٥٦٥ ), فقد نجح بالرغم من الصعوبات, من استئناف الاجتماعات خلال عامي
1561 و١٥٦٢ وتوصل إلى إخراج المجمع من الطريق المسدود.
ولا بد من الإشارة ببعد نظر الباباوات الثلاثة: بولس الثالث, ويوليوس الثالث, وبيوس الرابع. فبعزيمتهم المرنة, تغلبوا على العقبات الكبيرة التي كان يمكن أن تدمر أعمال المجمع. وختم المجمع أعماله في سرور عمَّ الكنيسة كلها, ورسخت البابوية سلطتها, بالرغم من المأساة التي فرقت وحدة الكنيسة ولم تجد حلاً. ظلَّ المسيحيون منقسمين إلى عدة عائلات متنافرة. أهم قرارات المجمع :- وافق جميع الأساقفة على القرارات التي اُتخذت منذ ١٥٤٥ وأهمها :
-
1. وضّحَ المجمع عدد كبير من العقائد, لإيقاف النزيف من نسيج المعتقدات المسيحية, ومعطيات الإيمان التقليدي
, مقارناً بينها وبين الفكر البروتستانتي لاسيما فيما يخص حرية الاختيار عند الإنسان, والإيمان والأعمال, والاختيار المسبق للخلاص, وإسرار الكنيسة السبعة, وتحديد الأسفار المقدسة في الكتاب المقدس, والتقليد الكنسي وإكرام العذراء والقديسين, والأفخارستيا, والكهنوت والزواج.

2. استخدام اللغات المحلية في الليتورچيات, ومكافحة الفوضى الطقسية, وإلغاء الليتورچيات التي لم يمضى على وجودها
أكثر من٢٠٠ سنة.

3. أنشاء الإكليريكليات.



أحداث أخرى ساهمت في الإصلاح الكاثوليكي

تزامنت مع سنوات انعقاد المجمع, بابوية مجددة, ورهبانيات نشيطة, وروحانيون كبار. من هذه البوتقة وُلد مثال جديد للكاهن, وشعب مسيحي أكثر ثقافة, وأنتقل هذا الإصلاح إلى كل أنحاء أوربا، و لكن ببطء.
و أهم الشخصيات التي ساهمت في الإصلاح.

١- الكاردينال شارل بورمية ١٥٣٨ -١٥٨٤

جسّدَ قرارات المجمع في وظائف الأساقفة وواجباتهم, وأعاد النظام إلى الأديرة المضطربة, وكان يولى أهمية كبيرة على تنشئة كهنة مثقفين. فأنشأ مدارس للتعليم المسيحي, وأسس أولى الإكليريكليات التريدنتية, وأعاد نظاماً حازماً للاكليروس العلماني.
وفي عام١٥٧٦ ظهر وباء الطاعون في ميلانو, فباع أملاكه ونظم المساعدات الجماعية, وكان يحمل مواد الإغاثة بنفسه إلى المحتضرين المهملين. ومات عن عمر يناهز 46 سنة. وكتب عنه أحد معاصريه(إنِّه أعطى مثالاً أكثر فائدة من قرارات المجمع كلها )

٢ – فيليب نيرى ١٥١٥ - ١٥٩٥

كان علمانيا, قام بخدمة علمانية فريدة, كان مجنوناً بالله يعلن كلمة الله لمن يريد أن يسمعها, التف حوله مجموعة من المؤمنين وأسسوا جماعة ( الأوراتوريو). ومارست تمارين روحية وضعها نيري، فأحرزت نجاحاً. فتشارك الناس من جميع الطبقات في شرح الأسفار المقدسة. وكان لهذه الجماعة طريقة خاصة للتراتيل الجماعية ( صيغة الأوراتوريو الموسيقية ). وقبل الكهنوت في وقت متأخر. وتحولت الأوراتوريو إلى جماعة رهبانية جديدة, لا أنظمة شديدة فيها, بل اتحاد في الحياة والصلاة والعمل الخيري. وأصبحت هذه الرهبانية فيما بعد قوية, لاسيما في فرنسا.

٣ – أغناطيوس دى لويولا

مؤسس الرهبنة اليسوعية التي أضافت إلى النذور الرهبانية الثلاثة-الفقر،العفة،الطاعة- نذرا رابعاً هو طاعة البابا, ووضع أنفسهم لخدمة احتياجات الكنيسة في حقل التعليم بتأسيس المدارس, وفي حقل الإرشاد الروحي, وفي حقل الإرساليات إلى البلاد النائية وكان له رأى مشهور ( أبرع المخططات, وأكمل القرارات, وأشد التحريمات تبقى حبراً على ورق. إنْ لم يهتدي المسيحيون, وعلى رأسهم البابا والأساقفة والكهنة, ولا أصلاح للكنيسة, إن لم يسعى كل عضو من أعضائها, بنعمة الله, لإصلاح نفسه.

القديسة تريزا الأفيلية و القديس يوحنا الصليب

أسست أول دير تم أصلاحه للكرميليات, وجددت الكرميليات والكرميليين بالتعاون مع يوحنا الصليب. وأسست١٧ دير راهبات, وساعدها يوحنا الصليب في أنشاء٢٠ دير للكرميلين المصلحين.
و هناك أيضاً فرنسوا دى سال ( ١٥٦٧-١٦٢٢) أسقف چينيف الذي استوحى المثال من شارل بورميه. فكان له تأثير عميق على روحانية العلمانيين والكهنة.

وكذلك القديس منصور دى بول (١٥٨١-١٦٦٠ ) مؤسس جمعية الرسالة (اللعازريين) لتبشير الأرياف, وبنات المحبة لخدمة الفقراء.
وفي عام١٦٥٠ بلغ عدد الرهبان اليسوعيين١٦٥٠, والرهبان الكبوشيين ( المنبثقين من الفرنسيسكان) ٢٠ ألف, مما يدل على الحرارة الروحية , وتكاثرت الأديرة, وبالتالي اتسعت أملاك الكنيسة.