الانفصال البروتستانتي


الانفصال البروتستانتي
-
أسباب الانفصال

في نهاية القرن 15 ومطلع القرن 16 أشتد الخلل في الكنيسة الكاثوليكية وظهرت التناقضات بين الإيمان المسيحي من جهة، وسلوك السلطة الكنسية من جهة أخري ووصلت إلى أشدها، ومنه جاء رد الفعل الذي تبلور في صورة الإصلاح البروتستانتي، وتلاه رد فعل كاثوليكي إصلاحي متأخر.
سادت أوربا في هذا الوقت عقلية سطحية بعيدة تماماً عن جوهر الإيمان المسيحي، حيث تغلبت المعتقدات والتقويات الشعبية علي غالبية أوربا الوسطى. فالأساقفة تحولوا إلى إداريين أكثر من رعاة وسكنوا خارج إيبارشياتهم، وأما الكهنة فأغلبهم لم يحصل على تكوين إكليريكي مناسب لهذه المرحلة. وبالتالي لم يستطيعوا أن يجاوبوا على إحتياجات الشعب، وفي الوقت ذاته لم يصرح للشعب بقراءة الكتاب المقدس خوفاً من التفسير الخاطئ. وارتفعت أصوات تطالب بعقد مجمع إصلاحي، وافتتح البابا بولس الثاني سنة 1512 المجمع اللاترني الخامس، وعبر المجمع عن أسفه لإرتكاب التجاوزات، وأعد برنامجاً إصلاحياً، ولكنه لم يجد طريقة للتنفيذ.
مارتن لوثر ١٤٨٣-١546

وُلد في ألمانيا, وتلقى تعليمه في المدرسة اللاتينية, وتلقى تربية دينية قويِّة, وتأثر بالروحانية التي كانت سائدة. كالاعتقاد بسلطة الشيطان والتنجيم والرهبة من الدينونة بعد الموت. ثم ألتحق بالجامعة لدراسة القانون ثم تركها ودخل الدير وكان عمره ٢٢ سنة, وأصبح راهباً في دير القديس أوغسطينوس. ورسم كاهناً عام ١٥٠٧. ولم يباشر دروسه اللاهوتية إلا بعد ذالك. وترقى إلى درجة دكتوراة في اللاهوت عام١٥٠٧، ومدرساً للكتاب المقدس في جامعة ( فتنبرج). وعاش صراعاً مريراً بين حياة القداسة وقوة الخطيئة التي هاجمته كثيراً، قاده هذا إلى حالة يأس شديد وقلق نفسي نزع منه سلامه الباطني، وتسأل من الذي يَخلُص إذن؟ فوجد ضالته في «إذاً نحسب أنَّ الإنسان يتبرَّرُ بالإيمان بدونِ أعمال الناموس»(روم ٣/٢٨). فالإنسان لا ينال الخلاص بفضل جهوده, بل الله هو الذي يجعله باراً بنعمته وحدها. وعند ذلك وجد لوثر ما يحتاج إليه من فرح وسكينة.

الغفرانات

وجد لوثر في قضية الغفرانات, فرصة لإعلان رأيه. وكان أثنين من الرهبان الدومينيكان ينادون بالاعتراف بالخطايا، ودفع تبرعات بدلاً من القانون (القصاص)، وهذا لتغطية نفقات بناء كنيسة القديس بطرس في روما, فأستاء لوثر وأرسل إعتراضاً قوياً ومهذباً إلى رئيس أساقفة ألمانيا الذي نقل القضية إلى روما. وأما لوثر دعا إلى النقاش مع أساتذة الجامعة. ولم يفكر في القطيعة مع روما. وكتب ٩٥ قضية للمناقشة, تلقتها بعض المطابع وقامت بنسخ النص. فأنتشر في كل أنحاء ألمانيا, فتحمس الرأي العام لأرائه.

وعلى مدى ثلاث سنوات, حاول بعض أعضاء رهبانيته وبعض الموفدين من روما أنْ يقنعوه بالرجوع عن أقواله. لكن
الجدال أيقظ روح القومية الألمانية، فبدا لوثر بطل شعبي مستاء من الوسائل التي يستخدمها البلاط الروماني في جباية الضرائب, فصرح عام ١٥١٩بأن "البابا هو المسيح الدجال". وفي عام١٥٢٠ رفض البابا ٤١ قضية منسوبة إلى لوثر. وأعطاه مهلة شهرين ليعلن خضوعه. ولكن لوثر أحرق خطاب البابا على مرأى الناس، فحرمه البابا في يناير١٥٢١.

وانقسمت ألمانيا بين أنصار لوثر ومعارضيه. وكانت دوافع أنصاره متنوعة. فالأشراف وجدوا الفرصة للاستيلاء على أراضى الكنيسة, والفلاحون انتهزوا الفرصة باسم المساواة بين البشر أمام الله للثورة على سادتهم. فنشبت حرب طاحنة (١٥٢٤-١٥٢٥)، وجميع المحاربين يدعى العمل بحسب كلمة الله. وقتل كثير من المتمردين.
وفي عام ١٥٢٥ تزوج لوثر من راهبة (كاترين بورا) . وأدعى أن الشيطان هو الذي نهى رجال الأكليروس عن الزواج .

الكنيسة اللوثرية و تعاليمها

لم يقصد لوثر أنشاء كنيسة جديدة, بل ظن أنها إنْ عادت إلى الإنجيل أصلحت نفسها. فنشر كتابين للتعليم المسيحي، لاقا ناجحاً عظيماً.
وفي نظر لوثر أن الخلاص يأتي من الله عن طريق الإيمان وحده, فالله يعمل كل شيء. والإنسان لا يعمل أي شيء. الأعمال الصالحة لا تجعل الإنسان صالحاً, بل الإنسان الذي يبرره الله يعمل أعمالاً صالحة. كما عارض لوثر التقليد الكنسي, ونبذ إكرام القدسيين, والنذور الرهبانية, والأسرار ماعدا المعمودية والأفخارستيا, ولم يعترف بالكهنوت ويقول أنه لا أهيمة إلا لكهنوت المؤمنين الشامل.وأعطى أهمية كبيرة للترانيم. وحذف سبعة أسفار من الكتاب المقدس، وأجزاء من دانيال وأستير.

چان كالڤن (١٥٠٩-١٥٦٤) والكنيسة المشيخية

كان علمانياًً في فرنسا، درس الآداب والحقوق، وأهتم بحياته المسيحية، ثم سافر إلى جنيف. وكان في فرنسا مجموعة صغيرة من اللوثرين أصدروا ملصقات توجه الشتائم إلى ذبيحة القداس وأُلصق أحدها على باب غرفة الملك، فثأر غضبه فلاحقهم وأحرق بعضهم. فعاد كالفن إلى فرنسا وطاف إنحاءها لخدمة هؤلاء، ثم عاد إلى جنيف ونظم كنيسة لها نموذج خاص، وأنتشر هذا النموذج في أوروبا ثم في العالم كله.
يشبه تعليم كالڤن تعليم لوثر، لكنَّه أكثر منهجية, فهو يشدد على (لله وحده المجد)، وانحطاط الإنسان, وكلنا هالكون لكن الله كسيد مطلق يُخلص الذين أختارهم مسبقاً. ويدافع عن عماد الأطفال. لكن في العشاء السري يختلف عن تعليم لوثر: "فالمسيح يهبنا نفسه في وقت تناول الخبز والخمر". ووضع كتاب"الترتيب الكنسي" من الكتاب المقدس، وأفكار أفلاطون. وهناك أربع خدمات: رعاة, معلمون, والشمامسة, والشيوخ، ويراقبهم المجمع الذي يضم ١٢شيخاً.
وزاد أعضاء الكنيسة الكالفنية في فرنسا وسويسرا, بعد أن ترجم كالفن الكتاب المقدس إلى الفرنسية ليتلى في الكنيسة بدل اللغة اللاتينية التي يجهلونها. ونادي كالفن بمشروعية الإقراض بالفائدة، لذا يرى بعض المؤرخين أنه أحد الدعاة إلى النظام الرأسمالي.

الكنيسة الإنجليكانية

نشأتها متزامنة مع طلاق هنري الثامن ملك انجلترا. الذي أراد تطليق زوجته لأنه تعلق بحب (آن بولين) أحدى سيدات البلاط. ورفض البابا الحكم بفسخ زواجه. فطلب الملك الإكليروس الإنجليزي بمنحه إياه وأعلن نفسه رئيس كنيسة انجلترا سنه١٥٣٤م. وأعدم الأسقف فيشر وبعض الكهنة, والقديس توماس مور. لكن الملك حافظ على جوهر الإيمان الكاثوليكي.
وورث العرش إدوارد السادس, وفي عهده تغلغلت الأفكار الكالفنية إلى هذه الكنيسة. ثم اعتلت العرش ابنة هنري الثامن (مارى تودور)، فأعادت الإيمان الكاثوليكي وأعدمت أكثر من ٢٠٠ شخص. ولكن إليزابيث الأولى سنة١٦٠٣م، أنشأت المذهب الإنجليكاني. وهو فكر لاهوتي قريب من الفكر الكالفني إلى جانب المحافظة على بعض الصيغ التقليدية الكاثوليكية من أسقفية، وثياب طقسية.. الخ. ولكن أيرلندا قد رفضت رفضاً باتاً هذا الإصلاح التي حاولت انجلترا أن تفرضه عليها وظلت كاثوليكية.
وهكذا انقسمت أوروبا إلى عدة كنائس معارضه لروما: اللوثرية "الإنجيلية" والكالفنية أوالمشيخية والإنجيليكانية.