مقدمة: ملاحظات هامة
: لفهم الأحداث الجارية في الكنيسة خلال هذه الفترة يجب أن نلاحظ
1- كان الشعب القبطي منقسماً إلى طائفتين, لكل منها رئيس ديني (بطريركاً) يدير شئونها, ويرعى أحوال رعيته، وكانت الحكومة البيزنطية تؤيد البطريرك المالكي,وتشد ٳزره, بعكس البطريرك اليعقوبى.
2- طموح بطاركة القسطنطينية جعلهم يحطون من مركز كنيسة الإسكندرية, وعدم الاهتمام بالتقليد الكنيسة, واعتمادهم على نفوذ الإمبراطور, وأعطوا لأنفسهم الحق دون الآباء والأكليروس الاسكندرى- في انتخاب البطريرك الاسكندرى الملكي، ولاشك أن هذا الأجراء كان من أكبر الأسباب للمحن العديدة التي أصابت الكرسي الرسولى.
3- تدخل الدولة في حياة الكنيسة، منتظرة منها تأييداً له وجه عقائدي، في مقابل أن تحل الكنيسة من الدولة على دعم قانوني ومادي في صورة مباني وقصور لتستعمل استعمالاً دينياً, كما تعتمد على الإمبراطور في محاربة البدع والوثنية، فأصبحت الكنيسة سجينة لإطار سياسي وفكري، واحتفظ الأباطرة بلقب (الحبر الأعظم) أي رئيس الديانة التقليدية وكان الإمبراطور يعتبر نفسه (أسقف من الخارج) مما برر تدخلاته في أمور الكنيسة.
انقسامات عام٥٥٣ في الإسكندرية :
تعددت الانقسامات بين اليعاقبة في مصر,واختارت كل شيعة بطريركاً لها:
1- الأسيفالوس: شيعة الذين رفضوا الرياسة وكان لهم بطريركاً قاموا بانتخابه.
2- التريتايت: يعتقدون أن لكل أقنوم طبيعة خاصة وكان لهم بطريركاً اسمه (كونون).
3- الفنتاسياست: كان عددهم كبيراً. وكان لهم بطريركاً اسمه (البيديوس).
4- القابلو الفساد: كان لهم بطريركاً اسمه دوروتيوس، وذلك علاوة على البطريرك اليعقوبى ثيدوسيوس, والبطريرك المالكى زويل الذي عزله الإمبراطور( شطبت هؤلاء الأربعة من جدول البطاركة, ولا توجد وثائق تشير إليهم إلا ما وصل إلينا من مخطوط ساويرس الأشمونى. دليل أن هذه الحالة كانت لفترة قصيرة).
ثورة هرقل٦٠٩م و تأثيرها على كنيسة الإسكندرية
أعلن هرقل ثورة ضد الإمبراطور البيزنطي فوقاس، منتزعا منصب الإمبراطور منه، وكان نائب فوقاس في مصر
( راجع سيرته في مجلة الصلاح عدد أغسطس٢٠٠٦).
+ البطريرك يوحنا الرحوم٦١٠م -٦١٩ م:
كان ملكا وعمل بنجاح على نشر روح التفاهم والوحدة، وأما معاونيه فهم الراهب يوحنا موسكوس (مؤلف المرج الروحي) وسوفروينس (انتخب فيما بعد بطريركاً لأورشليم). ولقد نجح في ضم عدداً كبيراً من المدن والقرى والأديرة إلى الكنيسة الواحدة وكان مشهور بأعمال الصدقة والبر التي لقب بها، ويقال انه كان يغذى يومياً أكثر من إلف فقير بصفته حاكماً وبطريركاً وكان يجلس يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع على باب كاتدرائية الإسكندرية الكبرى مع كاتبه الخاص ليتلقى الشكاوى ويحكم منصفاً كل مظلوم فكان له أتباع يجوبون البلاد, ليأتوا إليه بخبر(سادته و مساعديه) وكان يقصد بهذا التعبير الفقراء والمساكين (لأنهم يساعدوه و يمنحوه ملكوت السماوات).
اندرونيكوس٦١٦-٦٢٣البطريرك اليعقوبى:
لم يقل شهرة عن البطريرك يوحنا الرحوم من حيث الإحسان إلى شعبه وكان غنياً,محباً للرحمة و كان أهله من أغنياء الإسكندرية, وابن عمه رئيساً للديوان لذا كان له من النفوذ والسلطان ما يمنع الهراطقة من إخراجه من الإسكندرية.وكانت العلاقة بين البطركان يوحنا الرحوم واندرونيكوس علاقة ود, واحترام, وتعاون مشترك لخير الكنيستين.
الغزو الفارسي لمصر٦١٩-٦٢٩ م:
هاجم الفرس الأراضي المصرية عن طريق البحر المتوسط, و فتحوا مدينة الفرما عند الحدود المصرية الشرقية وكان نقص القوات الحربية البيزنطية, قد مكن الفرس من دخول مصر دون أي مقاومة تذكر وتقدموا كالسيل الجارف, يخربون الأديرة والكنائس في طريقهم.
ثم زحفوا إلى الإسكندرية, التي كانت مدينة قوية منيعة فالحقوا الخراب بالقرى المجاورة لها, واقتحموا الأديرة وقتلوا من فيها من رهبان, ونهبوا متاعها ثم خربوها ( يذكر ساو يرس بن المقفع أنها كانت حوالى٦٠٠ دير) واستولى الفرس على أواني الكنائس المقدسة و نقلوها غالى بلادهم.
هرب يوحنا الرحوم إلى قبرص حيث مات هناك, وهرب أيضا الحاكم البيزنطي إلى القسطنطينية. وفتحت الإسكندرية أبوابها أمام الغزاة، فالحق الفرس كثير من الأذى بالمصريين, وخاصة الرهبان والقسس والأساقفة, فاضطروا إلى الهروب المناطق البعيدة في الجبال. ولكن بعد ذلك استقرت الأحوال, وعاد الهدوء, وترك الفرس للمصريين حرية العقيدة وابقوا على كبار موظفي الدولة تحقيقاً لاستقرار الحكم. و في خلال الحكم الفارسي توفى البطريرك اليعقوبى اندرونيكوس عام ٦٢٣ م, وانتخب بعده البطريرك بنيامين.
+ البطريرك جرجس٦١٩-٦٣٠م المالكى:
تولى بعد نياحة يوحنا الرحوم. وهو الذي إلف كتاب ( سيرة يوحنا فم الذهب). البطريرك بنيامين اليعقوبى٦٢٣- ٦٦٢م
في عهده أحسن الفرس إلى اليعاقبة, على حين أساءوا إلى المالكيين لاتفاقهم مع الرومان في المذهب الديني, وفرضوا على الكنائس المالكية جزية تؤديها لهم وما لبث الإمبراطور أن نهض لقتال الفرس, ونجح في استرداد ممتلكات الإمبراطورية البيزنطية في الشرق, واستعاد مصر في سنة٦٢٩م وحرص على تحقيق الوحدة السياسية والدينية, و كان يدرك أن الأقباط متمسكين تماماً بمذهبهم المونوفيزيتى, فحاول أن يكسب رضائهم , فدعا بطاركة إنطاكيا, والقسطنطينية, وبلاد القوقاز للاتفاق على ما يرضى الأقباط فاجتمعوا في هيرابوليس (في أسيا الصغرى) وقرروا مشروع اتحاد (Monorthlisme). ينص على عدم ذكر أي كلام عن طبيعة المسيح وصفته والاعتراف بأن للمسيح أرادة واحدة لكن رفض المصريون مشروع هرقل. ومما زاد الأمر سوءا, أن هرقل أساء اختيار نائبه في حكم مصر الذي عهد إليه تنفيذ مشروعه وهو الأسقف كيروس الذي يسميه المؤرخون المسلمون (المقوقس) وأسند إليه الرئاستين السياسية والدينية أي أنه كان بطريركا وواليا معاً.
كيرروس (المقوقس) ٦٣١ – ٦٤٣:
قوقازي المولد كان في شبابه نسطو ريا, بمجرد جلوسه على كرسي الإسكندرية استخدم القوه في نشر مشروع هرقل مستعملاً الاستبداد والتعذيب الوحشي, فأغضب الجميع, وأذاق الأقباط أشد أنواع التعسف والاضطهاد ورأى البطريرك اليعقوبى بنيامين أنه لا يستطيع أن يستمر في كرسيه وسط الدمار وسفك الدماء, فأمر أساقفته بالهروب إلى الأديرة في الصحارى إلى أن ينتهي غضب الرب.
سافر خفية, واستقر في دير صغير في قوص ولم يظهر إلا بعد الفتح العربي عام ٦٤١ م.