علاقة الكنيسة الكاثوليكية بأهم الحركات المسكونية

علاقة الكنيسة الكاثوليكية بأهم الحركات المسكونية

تعتبر الكنيسة الكاثوليكية أكبر الكنائس الموحدة على الإطلاق في العالم، حيث يزيد عدد أتباعها عن المليار و200 مليون من المؤمنين، تربطهم وحدة إيمانية واحدة، وقيادة روحية واحدة، على الرغم من اختلاف اللغات والطقوس والأعراق.
لذلك لم تسع الكنيسة الكاثوليكية إلى إنشاء حركات مسكونية، إنما تعاملت مع الحركات التي نشأت، ونستطيع القول بأنها تعاملت مع هذه الحركات بطريقة إقليمية، أي كل منطقة على حدة، وذلك باعتبار أن الكنيسة الكاثوليكية مركز وكما سبق القول أنها أكبر الكنائس الموحدة، لذلك فقد وضعت على عاتقها مسئولية وحدة الشركة في يسوع المسيح، فسعت بذلك إلى إنشاء لجان حوار أو قنوات اتصال مع الكنائس المختلفة، وبطريقة أيضاً إقليمية، فهناك مثلاً لجنة حوار مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأخرى مع بطريرك القسطنطينية الأرثوذكسي، وثالثة مع الكنائس البروتستانتية الأوروبية المختلفة الخ...... ولكننا سنحاول بصورة مختصرة إلقاء الضوء على علاقة الكنيسة الكاثوليكية وبعض الحركات المسكونية مثل:
** الاتحاد العالمي المسيحي للطلبة.
** حركة جماعة تيزيه.
** مجلس كنائس الشرق الأوسط.
** مجلس الكنائس العالمي.

أولاً: الاتحاد العالمي المسيحي للطلبة:
تأسس الاتحاد العالمي المسيحي للطلبة سنة 1895 وهو تاريخياً أول منظمة دولية للطلاب ومن أقدم حركات الشباب. إذ يعتبر الاتحاد العالمي المسيحي للطلبة من رواد العمل المسكوني إذ يضمّ أكثر من 300 ألف عضو موزعين على أكثر من 85 دولة حول العالم، وكانت للاتحاد مساهمة فعالة في إنشاء مجلس الكنائس العالمي سنة 1948. وفي الشرق الأوسط يسعى الاتحاد إلى تعميق التعاون والتنسيق مع الهيئات المسكونية الأخرى العاملة في المنطقة توخياً لوحدة الشهادة وفي مقدمتها مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي ساهم الاتحاد في تأسيسه والرابطة العالمية للشبيبة الأرثوذكسية.
ويضمّ الاتحاد (في منطقة الشرق الأوسط) 16 حركة شباب مسيحية موزعة على كل من لبنان ومصر وسوريا والأردن والسودان والعراق وفلسطين.وتخص مصر وحدها 7 حركات منها اللجنة المسكونية للشباب – مصر والكنيسة الكاثوليكية المصرية عضو بها، وعن الكنيسة الكاثوليكية المصرية حركتي لجنة خدمة الشباب بالإيبارشية البطريركية ولجنة حق وعدل أما في لبنان فهناك حركة ال جاك الكاثوليكية.
يقوم المكتب الإقليمي بالتنسيق بين هذه الحركات على الصعيد البلد الواحد من خلال اللجان المسكونية المحلية وإقليمياً من خلال حلقات إعداد القادة "آيانابا" التي تتناول مواضيع تهمّ الشباب اليوم (العولمة، السلام، حقوق الإنسان الخ…) بالإضافة إلى برامج أخرى كـ"الجامعة الصيفية" التي تتمحور حول المسكونية والحوار الإسلامي المسيحي.
أما عن التوجهات الرئيسة لعمل الاتحاد فهي كالتالي:
1-رؤية شبابية مميزة للتوجه المسكوني: عدم استبعاد أي كنيسة أو حركة من عمل الاتحاد باعتبار أن الخصوصيات اللاهوتية لكل منها لا يمكن أن تكون عائقاً أمام إرادة اللقاء والالتزام المشترك وتنمية المحبة والفكر بين الأفراد. وكذلك العمل باتجاه بناء "المسكونية القاعدية" لأنها أساس المحبة الذي عليه تبنى وحدة الكنيسة.
2-الإسهام في بناء قيادة فكرية شبابية في الكنائس: وهذا هو عمق التزامنا في حياة الاتحاد. نساعد الحركات والكنائس في بناء جيل جديد من القادة الواعين لواقع الكنيسة والمجتمع ليتحملوا المسؤولية.
3- إعطاء الأولوية لعلاقة الكنيسة بالمجتمع: وهذا لا يتعارض مع السائد من الاهتمامات بقدر ما يبّث في الكنائس وعياً لأهمية توضيح هذه العلاقة على ضوء مفهوم التجسد وحب الآخر، والإرث الحضاري العربي الذي من واجبنا أن نحافظ عليه ونطوره. ويعني ذلك أيضاً العمل من اجل شهادة كاملة للكنيسة عبر تعقيدات التحديث والتغيرات في المجتمع العربي.
ومما سبق نجد أن الكنيسة الكاثوليكية، خاصة في إقليم الشرق الأوسط لها مساهمات فعالة سواء على المستوى الكنسي حيث يرعى الاتحاد –في الوقت الحاضر عن الكاثوليك- أصحاب النيافة الأنبا/ يوحنا قلته النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك، والمطران/ سليم غزال النائب البطريركي للروم الكاثوليك ويظهر ذلك من خلال مشاركتهما الفعالة فيما يخص أمور الإتحاد، كذلك على مستوى الشباب وتفاعل الحركات الشبابية في الإقليم مع باقي الحركات الشبابية من الطوائف الأخرى.

ثانياً: حركة جماعة تيزيه:
يرجع الفضل لتأسيس هذه الجماعة إلى روجيه لويس شوتز Roger Louis Shutz، وهي جماعة رهبانية مسكونية تجمع بين البروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس وذلك في عام 1942م، وكانت قرية تيزيه Taizé الواقعة شرقي
فرنسا هي مركز تلك الجماعة ، يؤم تلك القرية سنويا آلاف الشباب لغرض الصلاة وبسبب النشاطات الروحية الفريدة التي تقيمها جماعة تيزيه.
ولد روجيه شوتز في 12 مايو عام 1915م في سويسرا في عائلة بروتستانتية، عندما بلغ سن الشباب بدء بدراسة اللاهوت في مدينة لوزان بتشجيع من والده، وعندما أتم الـ 25 أراد أن يحقق حلمه بأن يعيش حياة الرهبان البسطاء على الرغم من عدم اعتراف الكنائس البروتستانتية بالرهبنة وهكذا اختار بدء مشواره في قرية تيزيه الفرنسية عام 1940م في أثناء الحرب العالمية الثانية.
كان شوتز قد تلقن من والده إرث كنيسته البروتستانتية وثقافتها الكتابية، ومن جدته لأمه الروحانية والتي كانت على الرغم من أنها بروتستانتية تتردد إلى الكنيسة الكاثوليكية، فكان لذلك أثر عميق على روجيه الذي تعلم من جدته روح التقارب بين الفرق المسيحية المختلفة، كما تأثر أيضا بدراسته لآراء مفكرين كاثوليك أمثال هنري دي لوباك (اللاهوتي اليسوعي الذي أصبح كاردينالاً) و بول كورتوريه الدومنيكاني، وعلى وجه الخصوص تأثر بالبابا يوحنا الثالث والعشرين والذي أصبح لاحقا صديقا حميما له .
التحق بروجيه في مشروعه الناشئ اللاهوتي ماكس توريان و المهندس الزراعي بيير سوفران، وبدأ الثلاثة بعد انتهاء الحرب بتحويل تيزيه إلى مركز رهبانيتهم، حيث عاشوا وهم من خلفية بروتستانتية على طريقة الحياة الرهبانية البندكتانية، وفي عام 1949م أصبح عددهم سبعة ودعوا أنفسهم بالإخوة، وسمح السفير البابوي في
فرنسا آنذاك لتلك المجموعة باستخدام كنيسة قرية تيزيه الكاثوليكية للصلاة وكان اسم ذلك السفير أنجيلو رونكالي والذي أصبح بعد عشرة أعوام البابا يوحنا الثالث والعشرين والذي كان دائما من أقوى مناصري مشروع تيزيه.
وفي عام 1960م سمح الفاتيكان للكاثوليك بالالتحاق بتلك الجماعة فأصبح بذلك جماعة تيزيه مؤسسة عالمية مسكونية لجميع المسيحيين ومرتبطة بمجلس الكنائس العالمي في جنيف، وهي في اتصال دائم مع الكنيسة الكاثوليكية ولكنها جماعة رهبانية مسيحية لا تنتمي لأي طائفة، وهي تعمل بشكل رئيسي على تعزيز روح الوحدة بين المسيحيين على اختلاف مذاهبهم، وتمكنت هذه الجماعة خلال نصف القرن الماضي من أن تكون أحد أهم المراكز الشبابية في العالم للصلاة والاحتفالات الشعبية الداعية للوحدة.
حظي الأخ روجيه باحترام ومحبة الجميع ودعي إلى حضور جلسات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني عام 1962م بصفة مراقب، حيث تلقى آنذاك دعوة شخصية من البابا نفسه.
في 16 أغسطس 2005م قتل الأخ روجيه بعد أن طعنته امرأة رومانية مختلة العقل بسكين، كان يبلغ 90 سنة وحدث ذلك في الكنيسة في تيزيه أثناء الصلاة بحضور 2500 من الشباب.

ثالثاً: مجلس كنائس الشرق الأوسط:
تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط في مايو عام 1974، بعد محاولات وعلاقات متعددة بدأت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكان يضم في عضويته العائلات الكنسية الثلاث وهم: الأرثوذكسية (الروم)، والأرثوذكسية الشرقية (الأقباط، والسريان، والأرمن)، والإنجيلية. ثم انضمت الكنيسة الكاثوليكية إلى عضوية المجلس عام 1990 وبذلك مثلت جميع كنائس الشرق الأوسط فيه. وهدف المجلس هو تعميق الشركة الروحية بين كنائس الشرق الأوسط وتوحيد كلمتها وجهودها إسهاماً في العمل من أجل وحدة الكنائس وتأدية شهادة إنجيلية حية تهدف إلى نشر الخلاص والمصالحة بالرب يسوع المسيح والمحبة والسلام والعدالة في المنطقة وبين شعوبها. وتنعقد جمعيته العامة كل 4 سنوات لانتخاب أربع رؤساء للمجلس (يمثلون العائلات الأربع) ولجنة تنفيذية وأميناً عاماً. وتعتبر آخر جمعية عامة عقدت في ديسمبر 2003 بقبرص وكان شعارها "أثبتوا في محبتي" يو15 : 9 وانتخبت:
1) قداسة البابا شنودة الثالث، رئيساً للمجلس عن العائلة الأرثوذكسية الشرقية.
2) قداسة البابا بيتروس السابع، رئيساً للمجلس عن العائلة الأرثوذكسية.
3) نيافة المطران يوحنا قلته، رئيساً للمجلس عن العائلة الكاثوليكية.
4) سيادة القس د. صفوت البياضي، رئيساً للمجلس عن العائلة الإنجيلية
.
ويهتم المجلس أيضاً بالحوار الإسلامي المسيحي كركيزة أساسية لدعم السلام في المنطقة، كذلك هناك دائرة خاصة تهتم بخدمة اللاجئين الفلسطينيين هذا إلى جانب أقسام ودوائر تهتم بالتربية المسيحية وبرامج المرأة والشباب.
ومن هذا العرض المختصر السابق يتضح لنا المشاركة الرئيسية الفعالة للكنيسة الكاثوليكية في المجلس، حيث يقوم بتفعيل هذا الدور تواجد صاحب النيافة الأنبا يوحنا قلتة بشخصيته المحبوبة، وحضوره القوي الفعال كرئيس للمجلس، بجانب علاقاته المتميزة مع باقي رؤساء المجلس ورجال الدين المسيحي والإسلامي في منطقة الشرق الأوسط. ومع نيافته العديد من الأباء المطارنة والشخصيات العامة من كافة الطوائف الكاثوليكية في منطقة الشرق الأوسط منهم على سبيل المثال – أعضاء اللجنة التنفيذية: المطران كيرلس سليم بسترس، المطران بولس مطر، المطران بطرس مراياتي، المطران جبرائيل كساب، الأستاذ عودة سليمان، الأستاذ أنطوان كرنبي، الأستاذ إبراهيم طرابلسي. ولا توجد دائرة أو قسم إلا وتتواجد فيها وتشارك الكنيسة الكاثوليكية فهي عضو كامل وفعال في هذا المجلس.

رابعاً: مجلس الكنائس العالمي:
بدأت محاولات إنشاء مجلس الكنائس العالمي أواخر القرن 19 وبدايات القرن 20، عندما بدأ تجمع حركات وكنائس مع بعضها للصلاة والعمل معاً (وكما سبق وذكرنا عن دور الاتحاد العالمي المسيحي للطلبة)، وفي نهاية العشرينات من القرن الماضي بدأت تظهر حركات مسيحية هدفها الوحدة. وفي عام 1937 قرر مسئولون عن بعض الكنائس إنشاء مجلس يضمهم، وفي أغسطس 1948 اجتمع ممثلو 147 كنيسة في أمستردام ليعلنوا رسمياً تأسيس مجلس الكنائس العالمي.
ويدير مجلس الكنائس العالمي لجنة مركزية مكونة من 158 عضو وهناك لجنة تنفيذية منتخبة من 25 عضو بالإضافة للأمين العام القس الكيني د/ صموئيل كوبيا. والمجلس يعتبر أكبر تجمع يضم كنائس في العصر الحديث، فهو يضم أكثر من 340 كنيسة من أكثر من 120 دولة يمثلون حوالي 550 مليون مسيحي، حيث يشارك في عضويته أغلب الكنائس الأرثوذكسية بالإضافة إلى كنائس بروتستانتية (إنجيلية، ومعمدانية، ولوثرية، وميثودوستية الخ....) وكنائس متحدة مع بعضها وأخرى مستقلة.
ويهدف مجلس الكنائس العالمي إلى الوحدة المسيحية، باعتبار أن هذا الكيان يسمح بلقاءات مسكونية متعددة للمحاورة واللقاء والعمل والصلاة معاً يتشاركون ويتناقشون، وعزز ذلك بإقامة أسبوع الصلاة من أجل الوحدة المسيحية والذي يقام في يناير من كل عام بمعظم دول العالم. كما أنه يساعد بصورة كبيرة إلى نشر العدالة والسلام في العالم، وللمجلس مواقف واضحة وكثيرة تجاه الظلم الذي يحدث في العالم. كذلك هناك قسم للحوار مع الأديان الأخرى يسعى المجلس إلى تقويته واستمراره.
أما عن دور الكنيسة الكاثوليكية بمجلس الكنائس العالمي، فكما سبق وذكرنا أن الكنيسة الكاثوليكية هي أكبر الكنائس الموحدة على الإطلاق في العالم، وتتعامل مع الحركات المسكونية بطريقة إقليمية، لذلك لم تسع إلى الانضمام إلى مجلس الكنائس العالمي إنما هي عضو مراقب، ولكن على صعيد آخر هناك أنشطة مشتركة وتعاون غير مباشر، في مجالات حقوق الإنسان والجمعيات الخيرية الخ...، ما بين المجلس والكنيسة الكاثوليكية.